Välj språk här Välj språk här

نصف ورقة

översatt av modersmålslärare Arafat Muhammad (arafatpj@gmail.com)

أوغست ستريندبيري

ترجمة: عرفات محمد

بعد أن نقلوا الجزءَ الأخيرَ من محتويات الشقة، تجول المستأجر الشاب، الذي كان يعتمر قبعةَ الحِداد، مرةً أخرى في أرجاء الشقة ليرى إذا ما كان قد نسيَ شيئاً ما. لا، لم ينسَ أي شيء. لا شيءَ على الإطلاق. ومن ثم دخل غرفة المعيشة بعد أن حسم رأيه بعدم التفكير مجدداً بما عايشه في هذه الغرف من أحداث. لكن مهلاً! هناك بالقرب من الهاتف؛ يوجد نصف ورقة ثُبتت على الجدار بمشبك صغير. كانت مليئةً بكتابات مختلفة دوّنت بخط اليد. كان بعض تلك الكتابات مدوناً بقلم حبر وبخط يدٍ أنيق، بينما كان الجزء الآخر عبارةً عن خربشات دوّنت بقلم رصاص أو بقلمٍ أحمر. هنا تكمن القصة؛ تلك القصة الجميلة بكل أحداثها التي دارت في فترة وجيزة، سنتين من الزمن. كل ما يريد نسيانه مسطرٌ هنا؛ حياة إنسان كاملة تُختزل في مجرد نصف ورقة.

انتزع الورقة من على الجدار. كانت ورقةَ مسودةٍ مصفرةً وكأنها تشع بالأنوار. وضعها على رف الموقد في غرفة المعيشة وانحنى فوقها يقرأ ما جاء فيها. أولاً وقبل كل شيءٍ كان اسمها: أليس، الاسم الأجمل الذي عرفه في حياته؛ والأحلى لأنه اسمُ خطيبته. ودُوِّنَ أيضاً الرقم (151.1)، وقد بدا وكأنه إحدى ترانيم الكتاب المقدس. وبعدها جاءت كلمة (المصرف). كان ذلك الشاب يعمل في أحد المصارف؛ ذلك العمل الذي منحه رغيف الخبز والمأوى وشريكة الحياة: أساسيات الوجود. لكن أحدهم شطب على هذه الكلمة نظراً لانهيار المصرف! ومع ذلك، تمكن من العمل في مصرفٍ آخر بعد فترة قصيرة تخللها الكثير من القلق.

ومن ثم بائع الزهور والحوذي. أقاما حفل الخطوبة عندما امتلأت جيبه بالنقود.

وكُتب أيضاً: بائع المفروشات، ومنجد الأثاث. كان يبني عش الزوجية… شركة نقل الأثاث. وبعدها سكنا الشقة معاً.

مكتب بيع تذاكر دخول الأوبرا: رقم الهاتف (50:50). اعتاد العروسان الذهاب إلى الأوبرا يوم الأحد من كل أسبوع. كانت أجمل لحظات حياتهما عندما يجلسان صامتين، ومن ثم يلجان عالم الخيال بانسجام ودعة وذلك على الطرف الآخر من الستارة.

ويظهر بعد ذلك اسم شخص ما وقد شُطب عليه أيضاً. كان أحد الأصدقاء الذين ارتقوا مرتقىً مرموقاً في المجتمع، لكنه لم يتحمل كل تلك السعادة دون أن يهوي من عَلٍ من غير حولٍ منه ولا قوة؛ وبذلك تحتم عليه السفر بعيداً. يا لهشاشة الأمر!

يلمُ هنا خطب ما بحياة الزوجين. يكتب خط نسائي بقلم الرصاص: “السيدة.” أي سيدة؟ آه! تلك السيدة ذات المعطف الكبير والوجه الودود الحنون؛ السيدة التي تدخل الشقة بكل هدوء دون أن تلج غرفة المعيشة أبداً، بل تذهب إلى غرفة النوم مباشرةً عبر الممر.

كُتب تحت اسمها (الدكتورة ل).

يظهر هنا وللمرة الأولى اسم أحد الأقرباء: “ماما”. إنها الحماة التي ابتعدت عن المشهد بطيب خاطر كي لا تزعج العروسين؛ لكنهم يستدعونها الآن لأمرٍ ضروري. وبكل سرور تأتي لتقضي حاجتهم.

هنا تبدأ خربشة كبيرة كتبها أحدهم بقلم أزرق وأحمر. مكتب العمل: لقد انتقلت الخادمة ويتعين توظيف خادمة جديدة…. الصيدلية… ممم! إنها تظلم! شركة الألبان. يُطلب الحليب المعقم من هنا.

البقّال، الجزّار… إلخ. بدأوا يديرون شؤون المنزل باستخدام الهاتف نظراً لتغيّب سيدة المنزل. لا، لم تتغيب سيدة المنزل، بل إنها طريحةُ الفراش.

لم يستطع قراءة ما جاء بعد ذلك لأن عينيه اغرورقتا بالدموع، تماماً كحال غريق في البحر أراد النظر من خلال الماء المالح؛ لكنه قرأ عبارة:

مكتب دفن الموتى.

وهذا لا يستدعي التوضيح! واحدٌ كبيرٌ وواحدٌ صغير؛ والمقصود هنا التابوت، وقد كُتب بين قوسين (من تراب).

ولم يأتِ بعد هذا الكلام كلام، فقد أنهى الترابُ كل الكلام؛ وهكذا كان.

ورغم كل ذلك، أخذ الورقة المصفرة وقبّلها ووضعها في جيب صدريته.

خلال دقيقتين من الزمن عايش كل ما مر به خلال سنتين من حياته.

لم يغادر الشقة مطأطأ الرأس؛ بل على العكس، كان مرفوع الهامة يمشي كرجلٍ يحدوه الفرح والفخر لما ملك يوماً من جمالٍ فريد. وكم مسكينٍ لم يحظَ بذلك الجمال قط!

—————————————————————————————-

översatt av modersmålslärare Juliette Tabbakh, Språkcentrum

نُصفُ صَفحَةِ وَرَق

للكاتب السويدي أوغست ستريندبرغ

مَشتْ الحُمولةُ الأَخيرةُ من نُقْلَةِ البيتِ.  المُستأجِرُ، رَجُلٌ في رَيْعانِ الشَّبابِ يَحملُ شَريطةَ حُزْنٍ على قُبَعتِهِ. تَجوَّلَ مَرةً أُخرى في الشُّقةِ ليرى إِنْ كانَ قد نسيَ شيئاً. لا إنهُ لمْ ينسَ شيئاً. لا شيءْ على الإطلاقْ. خَرجَ مُصراً على أَنَّهُ لنْ يُفَكرَ مرةً ثانيةً بِما عايَشَهُ في هذهِ الشُّقةِ. ولكنْ، في الرُدْهةِ وبالقُربِ مِنْ الهاتفِ سُمِّرتْ نُصفُ صَفْحةٍ من الورقِ، مَليئةٌ بكتاباتٍ ذي خُطوطٍ مُتنوعةٍ، مِنْها ما هو بخطٍ واضِحٍ بالحِبرِ، ومِنْها ما خُرْبِشَ بقلمِ رصاصٍ أو بقلمٍ أحمرَ.  سُطِّرَتْ على الورقةِ هذهِ القِصّةُ الجميلةُ بِأكْمَلِها، تلكَ التي دارتْ أَحداثُها في وَقتٍ قَصيرٍ وَخلالَ سنتينِ مِنَ الزَّمنِ. :كُلُّ ما يُريدُ نِسيانَهُ مُسَطراً هُنا.

 إنَّها شَريحةٌ مِنْ حَياةِ إِنسانٍ في نُصفِ صَفْحةٍ مِنْ الوَرَقِ.

أَخذَ الوَرَقَةَ، تِلكَ المِسّودَةَ اللاَّمِعَةَ بِصُفرةِ الشَّمسِ،  وَضَعَها على جِدارِ رَفِّ المِدفأَةِ المَفْتوحةِ، وانْحَنى فَوقَها يقرأُ. في الأَوَّلِ سُجِّلَ اِسْمُها: أَليس، إِنَّهُ أَحلى اِسمٍ عَرفَهُ آنذاكْ، أَلا وهوَ اِسمُ خَطيبَتِه.

والرَقمُ – -(خمسةَ عَشرَ أحَدَ عشَرَ) 1511.  يَظهرُ وكأَنـَّهُ رقمٌ مِنْ أَرقامِ الـتَّرانيمِ الكَـنَسيةِ.

 ومِنْ بَعدَهُ البَنْك: حَيثُ كانَ عَمَلَهُ،

العَملُ المُقـدَّسُ مَصْدَرُ قُوتهِ، بَيتهِ، زوجَتهِ، أَساسُ الوجودْ. وَلكِنْ شُطِبَ عليه لأَنَّ البَنكَ قَدْ أَفلَسَ ونجا هو بِنَفْسِهِ إلى بَنكٍ آخرٍ بَعْدَ وَقتٍ قَصيرٍ شابَهُ القلقُ الكثيرْ. وَمِنْ ثَمَّ، بائعُ الزهورْ، والحوذي، كانتْ الخطوبةُ آنذاكَ وكانَ جَيبهُ عامراً بالنقودِ.

ومن بَعدَهُ: بائعُ الأثاثْ، ومُورِّقُ الجُّدرانْ: إنَّهُ  يُؤَثِثُ  الشِقَّةَ. شَرِكةُ النَقّـلْ:  ثُمَّ يَنتقلان إلى البيتِ.

 5050 (خَمسون خَمسون) رَقمٌ لمكتبِ بطاقاتِ الأُوبرا. هُما عروسانِ جـُدُدٌ، ويذهبانِ إلى دارِ الأُوبرا في  أَيامِ الأَحادِ. كانَتْ أَحلى لحَظاتُهُما عِندَما كانا يَجلسانِ صامِتَيْن، يَلجانِ عالمَ الخَيالِ في اِنسجامٍ وَمتعةٍ على الطَرَفِ الآخرْ من السِتارةِ.

هُنا بعدَهُ يَلي اِسمُ رَجُلٍ مَشطوبٌ عَلَيْهِ. لَـقَدْ كانَ صَديقاً وَتَوصَّلَ الى مَكانَةٍ مَرموقةٍ في المُجْتَمعِ، وَلكنَّهُ لَمْ يَستطِعْ المُحافظةَ على سَعادَتِهِ فَسقطَ مِنْ غيرِ مُعينٍ، وَقدْ اضْطَرَّ على السفَرِ بَعيداً .  لحساسيةِ الوَضْع.

هُنا يلاحَظُ أَنَّ شَيئاً جَديداً قَدْ وَلجَ حَياةَ الزوجينِ. مَكتوبٌ بخطٍ نِسائي وبقلمِ رصاصٍ ” السيدة”،  أَيةُ سيِّدة؟ –  نَعَمْ، هي السيدةُ  ذاتُ المِعطفِ الكبيرِ والوَجْهِ المُتَعاطِفِ. هيَ، تلكَ التّي تَأْتي بِصمتٍ كُلي ولا تَمِرُ عَبْرَ الصَّالةِ، بَلْ تأَخذُ طريقَ الموزِّعِ إلى غُرفةِ النَّومْ.

تَحتَ اِسمها  مَكتوبٌ الطَبيبةُ  المُعتَمَدةُ.

للمرةِ الأولى يَظهرُ هُنا اسمُ أَحدِ الأقَاربِ، مَكتوبٌ” ماما”  إِنها الحَمايَةُ، هيَ مَنْ نأتْ بنفسِها عَن العريسينِ حتى لا تُزْعِجْهُما، ولكنَّها دُعيَتْ الآنَ في وقتِ الضرورةِ ، جاءَتْ بكلِ  سُرورٍ تُلبْي الدَعوةَ نَظراً للحاجةِ القُصوى إليها.

هُنا تَبدأُ خَربَشةٌ كبيرةٌ باللونِ الأزرقِ والأحمرِ. مَكتبُ العملِ: الخَادمةُ قَدْ اِنتقلتْ، لَرُبَّما يُوظفُّ واحدةً  أُخرى. الصيدلية.  آهِ ! الأمورُ تَقْـتُمُ! شَركةُ الألبانِ .مِنْ هُنا يُطْلبُ الحليبُ المُعـقَّمُ الخالي مِنْ وَباءِ السُّلِّ.

 بائعُ البَقالةِ، اللَّحامُ إلى آخره. بَدأَ المَنْزلُ يُدارُ عَنْ طريقِ الهاتِفْ. هكذا لأنَّ رَبَةَ البيتِ في غَيرِ مَكانِها. إنَّها طريحةُ الفِراشْ.

التالي لمْ يستطِعْ قِراءتَهُ. لقدْ بدأَتْ عَيناهُ تُغرَوْرَقُ كَما يَحدثُ للغارقِ في البحرِ عِندما يُريدُ النَّظرَ مِنْ خلالِ الماءِ المالحِ. وَلكنْ هُناكَ كُتِبَ:

مَكتبُ الدَّفنِ وهذا غَنيٌ عَنِ التعبيرْ! – - واحدٌ كبيرٌ وَواحدٌ أَصْغرْ،  المَقْصودْ تابوتْ. وَبَينَ قَـوسَيْنِ كُتِبَ:  تُرابْ.

وَلمْ يُكتَبْ بَعْدَها شيءْ آخر! بالتُرابِ انتهتْ، وهَذا هوَ الواقِعُ.

أَخذَ الورقَةَ الصَّفراءَ، قَـبَّلها وَوضَعها في جَيبهِ الصَّدري.

وَخِلالِ دَقيقتينِ مِنَ الوقْتِ عايَشَ ما مَرَّ بهِ خِلالَ سَنتيْنِ مِنْ عُمُرهِ.

عِنْدما خَرجَ لمْ يَكُنْ مُنْحَنياً، بَلْ كانَ مَرفوعَ الرَّأسِ كَأي إنسانٍ سَعيدٍ وفَخورٍ. لقدْ أَحسَّ أَنَّهُ قَدْ مَلكَ كُلَّ الجَمَالِ وَكَمْ مِنْ مِسكينٍ لمْ يحظَ على ذَلكَ قَطُّ.

                                                        ترجمة وقراءة: جولييت طباخ